كنا نتمنى لو اختتم الحكم الدولي محمد باجية مشواره في عالم التحكيم في كرة القدم، بنفس التألق الذي كان عليه طوال رحلته في الملاعب حكما تميز بالنزاهة واشتهر بالحزم، ولكن الامور لا تؤخذ بالتمني، بدليل انه ارتكب في حق نفسه، وحق العدالة، وحق اللعبة، التي وضعته في مصاف القضاة، جرما لا يغتفر،
ووضع على ثوبه الابيض، بقعة سوداء بكل تأكيد لن يمحوها الزمن من سجله ولا من ذاكرة تاريخ المستديرة الساحرة، عندما صمت عن حق، وشارك على طريقة حكمة القرود الثلاثة الشهيرة «لا اري، لا اسمع، لا اتكلم» بتغاضيه عن جريمة اعتداء كروي سافر، وعلني ارتكبها مهاجم العربي خالد خلف في حق منافسه لاعب نادي الكويت جراح العتيقي في المباراة النهائية لبطولة كأس سمو امير البلاد والتي فاز «الأبيض» بالنتيجة واللقب (2/ 1 ) ولولا «ستر الله» لكان الاخير في تعداد ضحايا العنف وانتهى مشواره كلاعب بعاهة.
نعم كان باجية في هذا الموقف سواء بقصد أو من غير قصد مثل موقف النجم عادل امام في المسرحية المشهورة «شاهد ما شافش حاجة»، عندما تحول خالد خلف بقدرة قادر من لاعب كرة قدم الى نجم في الوثب الطويل لام الالعاب، وقفز بشكل وحشي وهمجي تجاه منافسه جراح العتيقي بقصد اصابته وقتله كرويا مع سبق الاصرار والترصد وسط دهشة واستغراب كل من شهد هذه اللقطة البشعة التي لاتمت للعبة كرة القدم بصلة لامن بعيد أو من قريب.
لقد توقع الجميع أن يكون ناتج قفزة خالد خلف الهائلة - والتي لو شارك بها في بطولة العالم لألعاب القوى لحقق رقما قياسيا عالميا لن يستطيع أحد أن يكسره ابدا - نهاية حزينة ومؤلمة لمشوارا الطويل في المستطيلات الخضراء وتكون حكما بالاعدام الكروي لخلف ليكون عبرة لبقية اللاعبين، ولكن باجية وزملاؤه المساعدين تخلوا عن مسؤوليتهم وكسروا كل القوانين التحكيمية التي وجدت لحماية اللاعبين و«طنشوا» تلك اللقطة البشعة التي كانت جريمة بكل ماتحمل الكلمة من معنى واكتفوا بتوجيه انذار أصفر شبيه بضحكتهم تجاه هذا المشهد المأسوى الذي لولا رعاية الله لاصيب العتيقي بإعاقة مستديمة لن يقتصر اثرها على مشواره الكروي فقط وإنما في حياته العملية والاجتماعية.
وهذه الحادثة يجب الا تمر مرور الكرام من دون أن تكون هناك عقوبة قاسية توازي بحجمها ما تم ارتكابه خصوصا وأنها كانت متعمدة ولم تكن مجرد احتكاك بسيط ولعل الاعادة التلفزيونية كانت خير شاهد ورصدت بشكل لا يقبل الشك أن اللاعب خالد خلف كانت قفزته الشريرة بهدف الاضرار باللاعب جراح العتيقي الذي صرخ على اثرها بشكل مؤلم ومؤثر للغاية ولم يستطع إكمال المباراة رغم علاجه حيث ان الاصابة كانت شديدة عليه.
قفزة خلف عمل اجرامي في لعبة كرة القدم ولو شاهدها رئيس الاتحاد الدولي للعبة السويسري جوزيف بلاتر فلن يكفيه شطب اللاعب والحكم ومساعديه من سجلات الملاعب فقط وإنما إلغاء كرة القدم برمتها من الكويت للحفاظ على سمعة وروح وتاريخ الساحرة المستديرة التي أصبح عنوانها الدولي اللعب النظيف.
لم نكن نتمنى ونأسف بشدة أن تكون تلك أخلاق نجمنا خالد خلف داخل المستطيل الأخضر تجاه زملائه اللاعبين ولن نبالغ اذا اعتبرناه الأفضل فنيا ومهاريا على المستوى المحلي ولكن «ياحسافة الحلو مايكمل»، وقد تكون بعض المشاهد السابقة في مشواره صورة حية في عدم احترامه للعبة سواء مع زملائه اللاعبين أو الجماهير ومن الممكن أن يكون تجاهل الادارة العرباوية وعد حزمها في اتخاذ عقوبات حقيقية لخلف سببا في تماديه المتكرر وتناست أن البطولات لايمكن لها أن تتحقق إلا بالروح الرياضية والالتزام باحترام اللعبة التي كانت منصفة تماما بعدم أحقية العربي الفوز باللقب طالما لديه لاعبون مثل خالد خلف.
لعبة كرة القدم شهدت في تاريخها السابق مواقف شبيهة بما فعله خلف للعتيقي ولكن في العصور الجاهلية التي لم تكن فيها القوانين التحكيمية حازمة وكانت كلفتها غالية وغالية جدا في فاتورة الجماهير الرياضية في العالم التي خسرت نجوما كبارا للاصابة المتعمدة، وكادت أن تخسر نجم نجوم العالم ديغو مارادونا بسبب جزار اتلتيكو بلباو غويكوتشينا أثناء مشاركته مع برشلونة.
كما جاءت الضربة القاضية للنجم الهولندي العالمي فان باستن الذي تعرض لاصابة متعمدة وبليغة في منتصف التسعينات في لقاء فريقه اي سي ميلان الايطالي ضد نظيره انكونا أضطر على اثرها إعلان اعتزاله للعبة في وسط دموع مئات الملايين من الجماهير الذين عشقوا فن وأداء وتاريخ باستن صاحب أجمل هدف في تاريخ اللعبة في مرمى الحارس العملاق السوفياتي رينات داساييف في نهائي أمم أوروبا 1988 والتي حصلت هولندا على أول لقب عالمي لها بفضل براعة باستن.
وقد يكون لهذا الهدف الاعجوبة الاثر المباشر الذي دفع الاتحاد الدولي للعبة في اصدار مجموعة قوانين صارمة ضد اللعب غير النظيف في الملاعب وتم العمل بها في مونديال أميركا 1994، وقد كانت رسالة رئيس الاتحاد الدولي السابق البرازيلي جواو هافيلانج واضحة عندما خرج بتصريحه الشهير بعد صدور تلك القوانين الجديدة « لانريد أن نخسر نجوما بوزن فان باستن» « كأنه يعزي العالم الرياضي بغياب النجم الهولندي والمطالبة بأخذ الثأر لكل من تسول له نفسه ارتكاب اى حماقة جديدة.
وقد تكون لرياضتنا المحلية نصيبها المأسوي من تلك الاصابات القاتلة كرويا عندما خسرنا عبدالعزيز حسن لاعب القادسية والمنتخب الوطني وأفضل من أنجبتهم الملاعب الكويتية كصانع ألعاب ماهر لايشق له غبار، خسرناه بلمحة بصر بسبب اصابته بالرباط الصليبي في مباراة تجريبية للازرق مع أحد الاندية الدنماركية المغمورة، واضطر هذا النجم المحبوب الى اعتزال اللعبة وسط حسرة وحزن جماهيري كبير.
نتمنى من لاعبنا الدولي خالد خلف أن يعيد شريط المباراة ويشاهد بأم عينه ما فعله تجاه زميله العتيقي، ونحن على يقين كامل أنه سيندم كثيرا على تلك القفزة الخطرة حين يصور نفسه مكان العتيقي ماذا ستكون ردة فعله بالتأكيد لن يقبلها نهائيا وبالتالي عليه أن يعيد حساباته في مشواره الكروي ليكون لنفسه النجاح داخل وخارج الملعب.
الراي
|