يعيد التساؤل عن العربي حاليا الى الأذهان سؤالا تاريخيا يستعين به المؤرخون كثيرا عند الحديث عن تاريخ الأمم والشعوب، اذ سئل الملك جورج الخامس وهو على فراش الموت: «كيف حال الإمبراطورية أيها الملك؟»، وكان الجواب : «إنها ليست كما كانت عليه».
والاجابة هي ذاتها بالنسبة للعربي مع شيء من الحسرة لأن الحديث عن القلعة الخضراء يبقى حتما ذا شجون.
ويحلو الحديث عن العربي بالذات لأنه المهيمن على بطولات كرة القدم محليا حيث تبقى الساحرة المستديرة عادة مقياسا لنجاح النادي، والعربي هو «سيد» المستطيل الاخضر في الكويت وصاحب الرقم القياسي في الفوز بلقب البطولة الرئيسية المحلية (الدوري) كما يعتبر الحديث ذا نكهة عن العربي بعد ان صبغ لاعوام عدة خارطة الساحرة المستديرة في الكويت باللون الاخضر لكنه هذه الايام ليس كما كان عليه.
العربي اكتسب على مدى تاريخه صفات ميزته عن البقية في مباريات كرة القدم، وتبقى حقيقة ان الاخضر تسيد الموقف في الكويت ابان عصر الازرق الذهبي بتحقيق افضل انجازاته (التأهل الى اولمبياد موسكو 1980 والفوز بكاس امم اسيا 1980 وبلوغ نهائيات كاس العالم 1982) الأمر الذي يربط فيه جمهور العربي تفوق الكويت دوليا بهيمنة الاخضر على البطولات المحلية واترك عنك اعتبار الصعود الى نهائيات القارة انجازا مذهلا في هذا الزمن.
واشتهر الاخضر بانه الفريق الذي لا يرفع راية بيضاء مهما كانت ظروفه نظرا لروح لاعبيه ولا يمكن لخصم ان يأمن النتيجة حتى اللحظة الاخيرة من اللقاء لأنه يواجه فريقا فرض شخصيته في جميع المنافسات، وكلما حاول ناد الاقتراب من ارقامه القياسية انتبه لاعبوه وعادوا مرة اخرى الى تسجيل الانجازات ورفع الرصيد، وذاع بين الشارع الرياضي الكويتي ان العربي هو النادي الذي يكون دائما عند حسن ظن جماهيره نتيجة التزام اللاعبين وتفانيهم وعزيمتهم، واذا أراد ناقد التطرق للعربي فلا بد ان يأتي على ذكر حديث الروح.
الزمن لا يتغير لكن أمورا تتغير واخرى تتطور والأيام كما يراها الحكماء «دول»... من سره زمن ساءته أزمان، والزمن رغم براءته من جرائم التاريخ الا انه شاهد على ما يحدث للعربي، ذلك النادي الذي ينتمي للمعايير بينما تعامل معه المسؤولون عن الرياضة على انه «ناد من المعايير يسلك سلوك التكتل» فكان واجبا ان يلقى مصير اندية الاغلبية، ففي الوقت الذي تغيرت فيه مجالس ادارات 10 اندية بقرار الحل الشهير في نوفمبر الماضي، انضم العربي الى اندية التكتل بقرار حل مجلس ادارته مع اختلاف دوافع قراري الحل غير ان الامور انتهت في النهاية الى ان العربي نال مصير التكتل وهو بالطبع الوحيد من اندية المعايير الذي صدر بحق مجلس ادارته الحل رغم ان استخدام مقياس واحد سيفرض قرارات حل اخرى.
الناقد البريطاني سيمون بارنز يقول ان «الامبراطوريات تنتهي في قرن او قرنين والاندية قد ينهيها موسم واحد « لكن العربي امبراطورية حقيقية لم يطمسها ظرف أو تراجع في المستوى، فهو النادي الذي يتميز بوفاء غير عادي لجمهوره لذلك ومنذ انشائه عام 1961، يغيب عنه مشجعوه مباراة لكنهم لا يصبرون على فراقه موسما كاملا، انهم يعشقونه «بحلوه ومره» وتالقه وانزوائه والذي تغير في القلعة الخضراء هو الجانب الاداري اذ أصبح النادي للرجال داخل القلعة واعتقد الذين يسكنون في الخارج ان ترك المحاصرين في الداخل امر جيد بيد ان تلك صفة جديدة على المنتمين للقلعة، وتمنى البعض في الاعوام الاخيرة تراجع العربي ليسخط الجمهور على مجلس الادارة لكن تلك لم تكن ابدا سمة للعرباوي الحقيقي.
ومرت جميع الفرق في العالم بزمن انخفض فيه الاداء وابتعدت عن البطولات لكن الاندية العظيمة تعود أقوى مما كانت عليه بينما تفشل الاندية العادية والمغمورة في العودة الى مجدها السابق، وأثبت العربي في تجارب سابقة أنه كيان قوي متماسك ومؤسسة متميزة ناجحة لان حقبة السبعينات شهدت غيابا للعربي عن ألقاب كرة القدم «اللعبة الشعبية الاولى» ومرت حينذاك على العربي حقبة «السنوات العجاف» وتوقفت الانجازات عند الفوز بلقب الدوري موسم 1969 1970 وكاس الامير موسم 1970 -1971، وكاد الاندثار يصيب القلعة بعد هذا الغياب الرهيب لكن الاخضر أينع من جديد مع استلام الرئيس السابق احمد عبد الصمد الادارة، واستطاع الاخضر احراز لقب ببطولة الدوري موسم 1979 1980 ليبدأ النادي استعادة مجده التليد وقال عبدالصمد وقتذاك كلمته الشهيرة لفريق الكرة بالنادي: «ابنائي الاعزاء... شكرا».
والتراجع مجرد جزء طبيعي من الأحداث، لكن تراجع قيم كالولاء والوفاء والايثار هذه الايام هو ما يثير القلق حقا، لاسيما ان أولئك الذين اختلفوا مع مجلس الادارة في الماضي آثروا على انفسهم الكثير في سبيل مصلحة النادي فيما طغت اليوم سياسة الاستئثار وشخصنة الخلافات على اختلاف الفكر في القضية العرباوية.
رفع القضايا وانتظار انعقاد الجمعيات العمومية للاثارة والهجوم والقاء التهم لاشك انها حقوق للاعضاء وهي ايضا من صميم العملية الديموقراطية لكن التروي والهدوء في استخدامها يعد تضحية كبيرة تدل على ان مصلحة النادي هي الهدف الاسمى خصوصا ان الاستقرار الاداري ينعكس على الاداء الفني لفرق النادي لكن احداً كما يبدو لا يريد التضحية.
المشكلة في العربي هي ان الذين يتطلعون لقيادته يفكرون فيما سيحققه من بطولات في فترة سيطرتهم على مجلس الادارة بصفته نادياً عريقاً، لكن في الواقع أن الصعوبة تكمن بالسجل الزاخر من الانجازات والالقاب التي حققها بالفعل وهو حمل ثقيل يجب على من يفكر في ادارة القلعة الخضراء ادراك تلك الحقيقة جيدا ومعرفة ان ما تحقق هو المشكلة بعينها.
ويرى بعض المتابعين ان رحيل الرئيس السابق جمال الكاظمي سيضع العربي امام مشكلة البحث عن شخصية تبذل المال للتعاقد مع محترفين مميزين لكن تلك ليست مشكلة بحد ذاتها رغم ان الكاظمي لا يدفع للمحترفين فقط بل يمنح مكافآت سخية لجميع اللاعبين، واحيانا يدفع بنظام الدفع المسبق كما يدعم الاداريين والمدربين دعما ماديا لا يحتاج الى دليل، بل المشكلة ان هزة ادارية اصابت العربي ويقينا ستؤثر عليه وحتما سيتواصل التراجع.
ويتساءل المتابع لماذا هذا الكم الهائل من القضايا في المحاكم رغم رواج مصطلحات «رجالات النادي» و«لم الشمل» و«الحفاظ على القلعة» و«الزعيم في قلوبنا»، وتلك المصطلحات التي يفترض بها أن تحافظ على كيان النادي، على العكس تماما تسير به من قضية الى اخرى.
الامر الذي يحسد عليه العربي هو جمهوره، إذ يتمنى أي ناد في الكويت ان تكون له قاعدة مثل الأخضر لأن الجمهور معيار اساسي لتقييم سمعة النادي وهو يشكل الدافع الأول والحافز الأكبر للاعبين سواء في نظام يطبق الاحتراف أو آخر يعتمد الهواية، لذلك يحتفظ المشجع العرباوي حتى اللحظة بمكانته لان حبه للنادي لا يبغي في مقابله شهرة او منصب او كرسي او حتى وظيفة في النادي انه يقول دائما: «العربي تبقى فريقي الاول والاخير... سواء كنت الاول أو الأخير».
النهار
|