بمشاعر الاسى والحزن شيعت الكويت امس حارس مرمى العربي ومنتخب الكويت السابق سمير سعيد الى مثواه الاخير في مقبرة الصليبخات. وشارك في مراسم التشييع حشود غفيرة يتقدمهم وزير الاعلام الشيخ محمد العبدالله، وعدد كبير من اعضاء مجلس الامة ومنهم حسين القلاف، عبدالحميد دشتي، احمد لاري، عدنان عبدالصمد، عدنان المطوع، حمد المطر، مرزوق الغانم، بالاضافة الى النائب السابق سعدون حماد، الى جانب رؤساء واعضاء مجالس ادارات الاتحادات والاندية وعدد كبير من المسؤولين الرياضيين.
من جهة اخرى، تقدم رئيس اتحاد الكرة الشيخ د.طلال الفهد باحر التعازي والمواساة لاسرة الفقيد، مضيفا: «تلقيت ببالغ الحزن والاسى خبر رحيل اخي وصديقي وزميلي سمير سعيد، وأسأل الله ان يتغمده بواسع رحمته ومغفرته، لقد كان نعم الرجل.. كسب احترام الجميع كرياضي وكانسان، وكانت لي معه ذكريات جميلة ستبقى من أجمل الايام، اللهم ارحم عبدك سمير وادخله فسيح جناتك والهمنا اللهم واهله الصبر والسلوان».
مع مغيب شمس يوم الاحد، اخترقت انوار سيارات الاسعاف ودوريات الشرطة عتمة الليل امام مدخل الطوارئ لمستشفى العدان، فكان مشهداً مهيباً اقشعرت له الابدان، وارتجفت له القلوب.
كذلك كانت حال المحبين الذين اعتصر قلبهم الحزن. منهم من سابقت الدمعة كلمته، ومنهم من غصت العبرة في حنجرته الى حد الانفجار.
غيمة من الحزن جثمت على حشود المتجمهرين الذين اصابتهم الفاجعة برحيل نجمهم المحبوب سمير سعيد الى جوار ربه، متأثراً بجراح حادث دهس مروري اقام «كل الكويتيين» ولم يقعدهم على مدار 4 ايام.
صحيح انه ترك البساط الاخضر منذ ما يقارب العقدين، الا ان كل محبيه كانوا اكثر ارتباطاً به من ذي قبل. فكان لسان حالهم: «خسرناك يا سمير. خسرنا الاخ والصديق والرياضي النبيل والشجاع».
سيفتقدك كل من يعرفك، كل من رسمت البسمة على قلبه، وكل من صفق لك، وكل من اصطف خلفك، وقبل كل هؤلاء اولئك الذين امتدت لهم يدك البيضاء بلا منَّة، ومن فرَّجت عنه كربته دون تشهير.
خسرك هؤلاء كلهم ... وعزاؤهم انك ستكون الى جوار رب جواد كريم يغنيك عنا جميعاً.
يروي احدهم بعد ان تسربت اليه انباء اعمال خير قام بها سمير، انه اراد ان يظهر له شيئاً من الاعجاب على هذه المواقف، فكان -رحمه الله- كلما سمع منه كلمات الثناء رمى بالحديث بعيداً يمنة ويسرة، ورفض الحديث نهائياً واختلق محاور حديث مختلفة.
حياته الرياضية بدأت كحارس رابع مع منتخب الشباب في كأس فلسطين في العام 1983، لوجود صلاح مرزوق، خالد الشمري ومطير شرقاط، وحارس ثالث في النادي بعد عبدالنبي حافظ وعبدالرضا عباس، ولكن مدرب المنتخب انطونيو لوبيز كان له رأي آخر، وجد في اثوابه وحشاً فنصّبه الحارس الاول في الكويت في العام 1984.
كان اول من ابتدع التمريرة العمياء، وهي تمريرة تتطلب قوة غير طبيعية في رسغ اليد لانه يرمي الكرة في الاتجاه المعاكس لحركة الذراع، ابتدع الطيران الامامي وكلفه ذلك الاصابة امام نيوزلندا في تصفيات اولمبياد لوس انجليس، اشتكى منه المعلق الشهير خالد الحربان ورئيس رابطة المشجعين فهيدان (فهد عبدالكريم) لكثرة صراخه في الملعب تحفيزاً وتوجيهاً للزملاء.
لم يكن محظوظاً على صعيد الالقاب الفردية بل كان مظلوماً، قال لي ذات مرة في حديث لم ينشر: «في كل مرة اتألق تحول المجاملات بيني وبين الالقاب»، واضاف: «في كأس الخليج (يقصد خليجي 10) وزعت الالقاب الفردية بين الدول: الهداف، افضل لاعب، الفريق المثالي، وفزت انا بجائزة افضل حارس مرمى، وقبل مراسم التتويج فوجئت بحمود (يقصد البحريني حمود سلطان) يصعد المنصة معي، وعندما استفسرت عن السبب قالوا لي ان البحرين الوحيدة التي لم تحصل على جائزة فردية او جماعية، وكان ثمن تلك المجاملة تقاسم جائزة افضل حارس مرمى»!
وقال لي كذلك في حديث لم ينشر ايضاً: «وفي سنغافورة ايضاً (يقصد كأس آسيا 1984) كان الحال مع الدعيع (يقصد السعودي عبدالله الدعيع)»، لكنني لم اصدق كوني مؤلف كتاب موسوعي عن هذه البطولة صدر في العام 2007، ولم استجل الحقيقة الا قبل اشهر معدودة، عندما تحصلت على وثيقة رسمية من الاتحاد الاسيوي لكرة القدم تثبت صحة رواية سمير، لم تسعفني «الظروف» لعرضها عليه.
الوثيقة عبارة عن 4 صفحات (الى اليمين: صورة زنكوغرافية لجزء من الوثيقة)، تضم ملخصاً لنتائج البطولة، وتضمنت عبارة كتبها الامين العام السابق للاتحاد الاسيوي بيتر فيلابان (مدير البطولة) في ملاحظاته عن مباراة الكويت والسعودية في ختام دوري المجموعة تقول: «اللجنة المنظمة وبخت كلاً من: عبدالله الشمري رقم 7 (فليطح) وسمير سعيد رقم 22، ومؤيد الحداد رقم 20 لسوء سلكوكم»، في اشارة الى احتجاجه على حكم المباراة الياباني توشيكازو سانو الذي لم يحتسب ركلة جزاء لفيصل الدخيل قبل دقائق من تسجيل محيسن الجمعان الهدف الوحيد. وكانت تلك الملاحظة السبب الرئيس في ترجيح كفة الدعيع!
لكن هذه القصة ليست الرواية الوحيدة التي اخفيتها عن سمير، ففي مطلع الالفية الثالثة فوجئت باختار الاتحاد الدولي لتأريخ واحصاءات كرة القدم خالد الفضلي في قائمة حراس القرن في آسيا، ولفت انتباهي في القائمة الاسيوية غياب عدد كبير من الحراس ابرزهم الايراني ناصر حجازي، والكوري الجنوبي تشو بيونغ دوك واحمد الطرابلسي، فضلاً عن سمير، لكن شيئاً ما جعلني ابحث عن السبب، حتى قاد القدر مسؤولاً في اتحاد الكره برجليه يقول لي: «شرايك ترى أنا اللي اخترت الفضلي. الناس مراح تذكرني وراح تنسى افضالي على الكرة الكويتية». فسألته كيف اخترته؟! فرد قائلاً: «والله اتصل فيني واحد دكتور من ميونيخ وقال لي منو افضل حارس مرمى في تاريخ الكويت في القرن الماضي، فالتفت فشفت خلّود (تصغير خالد) مار على مكتبي في الاتحاد مخلّص تمرينه، فقلت له. سجل خالد الفضلي» (الى هنا انتهت رواية المسؤول)... والى هنا زوّر التاريخ.
كثيرة هي القصص حول سمير، ولكن الاكثر التصاقاً بذاكرتي ما دار بين مجموعة من طلبة ثانوية الاحمدي في العام 1983، شكلوا حلقة حول نجم المدرسة جابر الزنكي (لاحقاً اصبح لاعباً دولياً)، وقد اصابتهم الدهشة لما يقوله نجم المدرسة الذي اخذ يروي تجربته الفريدة: «يا جماعة، أكو حارس مو طبيعي كل يوم اروح علشان اشوف تمرينه. بس اشوف تمرينه. لما يخلّص تمرين الفريق، يطلب من كل لاعب ينفرد فيه وجهاً لوجه. تصدّقون ولا واحد يقدر يقوّل. ولا واحد»!
مجرد ان يكون احدهم حارساً بديلاً له، فذلك شرف كبير لا يضاهيه شرف، الى ان تحين اللحظة التي يطلب فيها تعويضه (عند الاصابة)، فالبديل ترتعد فرائصه دوماً. لا احد يعلم ان المشكلة ليست في الحارس بالبديل، بل تكمن في سمير نفسه... فلا احد يستطيع أن يحل محله، ورحل وهو على هذه الحال.
«حقق الراحل انجازات لم يحققها الكثير من حراس المرمى، تميز بالموهبة والذكاء، ويعد من عمالقة حراس المرمى الذين لن ينساهم التاريخ، حقق نجومية بسبب ادائه واخلاقه، عندما اشرفت على تدريبه عام 1984 تلمست لديه الرغبة في تحقيق طموحه، ونجح في اثبات وجوده، رغم ان نجوم الكرة حينها بدأوا في اعتزال اللعب، انه نجح في فرض اسمه كواحد من نجوم كرة القدم في العالم العربي».
أحمد الطرابلسي
حارس مرمى الكويت 1971-1982
«كان الفقيد من افضل حراس عصره في الكويت والخليج العربي، وتمكن من حماية عرين العربي والازرق سنين طويلة، ومن الصعب تعويضه. خبر وفاته كان كالصاعقة، واحزننا كثيرا ، هو فقيد الرياضة الخليجية قبل ان يكون فقيدا للرياضة الكويتية، تاريخه المشرف ترك انطباعا جيدا عند جماهيره، والمحبة التي اكتسبها من الجميع تشهد بهذا الامر».
حمود سلطان
حارس مرمى البحرين 1976-1996
«هو من حراس المرمى الذين تركوا بصمة في اللعبة، واستطيع ان اصفه بالحارس العظيم»، ونجوميته كانت مصدر ثقة للكرة الكويتية، سمير كان عاملا كبيرا في تحقيق الكثير من الانجازات للكرة الكويتية، ومشى على خطى احمد الطرابلسي ، وتمكن من المحافظة على زعامة الكرة في الكويت، كان مصدر قلق لخط هجوم المنتخبات التي كان يواجهها».
عبدالله الدعيع
حارس مرمى السعودية 1984 - 1990
«كان رمزا من رموز الرياضة الكويتية والخليجية، اسطورة في حراسة المرمى بسبب الامكانات العالية التي كان يمتلكها، وكان يستحق الاحتراف في أي دوري في العالم، سمير يتحلى بالخصال الحميدة، ويعتبر من الشخصيات المحبوبة جماهيريا، لقد فقدت الكويت رجلا من الصعب تعويضه بسبب مآثره، نعزي انفسنا قبل ان نعزي اشقاءنا في الكويت».
يونس احمد
حارس مرمى قطر 1982-1992