تشعر بأن الحزن على الراحل سمير سعيد رحمه الله، يفقدك عظامك حتى أنك لا تستطيع الاستناد على شيء بعد مضي عام كامل على رحيله. لا تعرف من اين تبدأ للحديث عن هذا الاسطورة الذي ودع الحياة يوم 15 ابريل 2012 بعد تعرضه لحادث سير غير متعمد مساء الخميس 12 ابريل ثم بقائه 3 ايام في العناية المركزة حتى فارقت روحه الحياة، لكن من الجيد معرفة ماذ حدث بعد رحيله رحمه الله. سمير سعيد كان حدثا بارزا في الملعب وخارجه وهو ايضا بعد وفاته وضع تساؤلات مهمة، وحشر الرياضة، والمجتمع بأسره، في زاوية ضيقة، لان المراقبين يتساءلون ماذ فعل الجميع للحارس الاسطورة الراحل؟. سمير نجم نادر قدم الدم في المستطيل الاخضر الى جانب الانجاز والجهد والمستوى الفني الرفيع وتخليده امر واجب، لكن الاكتفاء بالحزن عليه وبعض عبارات الاطراء في الايام الاولى لوفاته لا توفيه حقه، ويبدو ان ارض الرياضة «قاحلة» في الوفاء لرجاله، والا كيف نفسر مرور هذا الوقت دون اتخاذ قرار لاطلاق اسم الراحل على منشأة او ملعب او صالة رياضية أو على شارع من شوارع الكويت؟. وباستثناء مقترح من النائب فيصل الكندري باطلاق اسم سمير سعيد على احد شوارع الاحمدي، ومقترح مشابه لعضو المجلس البلدي جسار الجسار، لم يتقدم احد باقتراح جدي يعبر عن وفاء المجتمع لبطل رياضي اشتهر بأخلاق ومبادئ عالية. سمير منح الرياضة وكرة القدم خاصة اهم شيء يمتلكه وهو الصحة، ولا نعلم ماذ قدمت له الرياضة غير حب الناس، الا يستحق الرجل تكريما لائقا وتخليدا طيبا لاسمه وهو الذي لم يبخل بشيء عن بلده. في عام 1987، عاد سمير للملاعب بعد غيبة طويلة بسبب الاصابة، وقال، رحمه الله، عند عودته :» الكرة كل حياتي وأحاول ان أصل الى أبعد مدى فيها ربما خسرت اشياء اخرى مقابل التمسك بها وقاومت الاصابات من أجلها لكن عند ابتعادي عن المنتخب أحسست بغربة شديدة « ماذا يمكن ان نقول لعلي سمير سعيد اذا اراد قراءة سيرة والده الطويلة ثم وجد انها توقفت مع وفاته؟ الا يجب ان يستمر اسم هذا اللاعب الرائع والاداري المحنك ورجل الاعمال المجتهد والانسان الطيب حتى بعد رحيله، بتخليد اسمه ومنحه ما يستحق ليتعلم منه جيل الشباب التضحية والوفاء والخلق الرفيع؟. سمير كان نموذجا للشاب الرياضي الشغوف بلعبته والمستقيم في سلوكه الانساني والرياضي، ومن الحكمة ان يتصدر اسمه مناهج التربية الوطنية في هذا الوقت بالذات والذي يبحث فيه المختصون عن نماذج وطنية لتسير على خطاها اجيال المستقبل، وربما يتحقق هدفا تربويا نبيلا اذا شاهد الطلبة منظر سمير ينزف دما أسفل فكه في مباراة أمام القادسية وأكملها بشجاعة ويمكن وضع صورته مرتديا قميص المنتخب وهو مستبسل في وحل ستاد سنغافورة لاظهار الفدائية في تمثيل منتخب البلاد امام التلاميذ. سمير لعب للازرق قبل ان يلعب للفريق الاول بالنادي وهي حالة نادرة لم يسبق ان شهدتها الملاعب الكويتية ولربما العربية ايضا، وذاعت شهرته صغيرا كحارس فذ، وحمى مرمى احد اشهر اندية الكويت واكثرها جماهيرية وهو العربي وساهم في صنع انجازاته الكبرى في الثمانينيات وحطم معه الارقام القياسية الرقم تلو الاخر، كما برهن في حمايته لعرين المنتخب انه الحارس الذي لن يصل الى مستواه حارس في الوطن العربي وهو لعب في المستطيل الاخضر ليظهر معنى التضحية فالاصابات التي تسببت في اعتزال اللاعبين، خسرت المعركة أمامه وانتصر هو على آلام الظهر والديسك، حتى جاءه لقب «سيد» حراس آسيا بتسجيله أرقام خيالية، ومع هذا رحل سمير وكأنه حارس مغمور واكتفى المسؤولون السياسيون والرياضيون بذرف بعض الدموع وكتابة عبارات التعزية فيما أراد بعض الشباب اظهار الوفاء بتكريمه في الدورات والسداسيات الرمضانية وكفى. ويتساءل المتابع ان كان سمير الحارس الفذ هكذا يكون تكريمه، فكيف سيكون الحال للبقية؟ ثم ما هو العمل الذي ينبغي للرياضي ان يفعله ليحظى بتكريم بعد رحيله؟ إنها جملة تساؤلات تدعو للاحباط لكن ذلك قد يختفي بارادة حقيقية لانصاف سمير وقرار مدروس بتخليد اسمه كما يستحق. من تابع سيرة سمير بدقة يدرك انه تعرض للظلم كثيرا في الملاعب غير انه يعود اقوى مما يكون عليه وفي هذا درس كبير ومفيد للناشئين الذي يتعرضون لمواقف مماثلة، الا ان الظلم الذي يخشاه القريبون من الراحل هو استغلال اسمه هنا وهناك في حسابات انتخابية اقل من اسمه او التكسب في قضية معينة في وقت يعلم المتابعون ان سمير قريب من الجميع ولم يساند جهة لالغاء اخرى، فانقسامات العربي مثلا على تعددها عجزت عن وضعه في اطار معين حيث استمر يعمل على الوحدة رافضا الدخول في أي قائمة ما لم تجد اجماعا من العرباوية، ومع جهده الواضح في تقريب وجهات النظر الا انه لم يتوار خلف أحد، بل ان ادراكه الواسع للقضايا جعله حذرا من بعض الجوانب وفي هذا الصدد قال ذات مرة «أن أجواء الانتخابات تفسد العلاقات بين الناس» وهو ما ثبت للجميع في الأعوام الأخيرة. الحديث عن سمير مازال ذو شجون، فلا تعرف عما تكتب اولا؟ عن البطل الرياضي ام عن الاداري المحنك؟ ام انك تتجه للانسانية وتحكي عن اعمال الخير التي كان يرفض الحديث عنها، لكن الكتابة عن سمير تبقى أصعب ما يواجهه كاتب مع تلك السيرة الذاتية الزاخرة منذ ولادته يوم 3 نوفمبر 1963 وحتى أسلم الروح الى بارئها. سمير الذي دخل قلوب الناس طفلا وطالبا ولاعبا واداريا اجبر الناس على مشاهدته في المرمى واهمال مجريات المباراة ثم عاد واجبر الناس على الالتفات اليه وترك الخلافات بعد تعرضه للحادث، انه شخصية استثنائية امتلك شجاعة نابعة من ايمان قوي والتزام شديد لذلك كان الجو العام بعد وفاته مهيبا حزينا لكن رباطة الجأش كانت سيدة الموقف ويبدو انها انتقلت الى الذين يعرفونه جيدا لانهم حتما ادركوا انه رحل سعيدا بعد كل هذه الاعمال الطيبة في حياته.
|