كتب لطفي حنون: ليس غريبا أن يعود العربي بطلا.. كما ليس يسيرا أن ينتهي البطل أسيرا في قبضة الفشل.
فعندما يعود الأخضر من بعيد لمعانقة كأس سمو ولي العهد فإنه يكرس قواعد استثنائية - اعتيادية له - وسط معادلات كروية عسيرة على الآخرين يكون فيها الاستثناء قاعدة عندما يتعلق الأمر بفريق اسمه العربي.
ان المسيرة العرباوية هذا الموسم يمكن وصفها في اطار كاريكاتيري بتسلسل أحداثها.. فمن بحث عن انتصار فقط ومصارعة مخاوف الهبوط للدرجة الأولى الى قمة المجد الكروي في فسحة زمنية متوسطة المدى لا شك ان هناك صياغة مثيرة لرواية جديرة بالقراءة.
ولا يمكن بأي حال من الأحوال قراءة هذا الانتقال السريع بذات السرعة التي سارت فيها الأحداث لأن الانتقال يتطلب فعلا والفعل يتطلب وقتا، والوقت سيف يجب التعامل معه بحذر والحذر يعني التفكير والتدبير وذلك بيت القصيد.
نمط واحد وخطة مجدية
لقد عاش المسؤولون عن الفريق اداريا وفنيا فترات عصيبة منذ انطلاقة الموسم وهذا الواقع فرض نمطا محددا على أداء هؤلاء تمثل دائما في كيفية الخروج من الأزمة وليس في كيفية الوصول الى القمة ولذلك اسرف المسؤولون في تدبر أزمتهم الى درجة التخبط في بعض الأحايين وعلينا اعادة شريط الذكريات لندرك تلك الأخطاء القاتلة والإجراءات السلبية التي اتخذتها الادارة فيما يتعلق باندفاعها للتعاقد مع محترفين أو مدربين.
فبعد ان قررت الادارة الموسم الماضي الاستعانة بالصربي نيناد خلفا للمصري محسن صالح عاشت الادارة فترة عصيبة في مواجهة جماهيرها بينما كان الفريق الأخضر يترنح على خيط النتائج السلبية دون ان يجد العصا التي يتوازن بها وتضمن له الثبات.
وكانت هناك لحظات مفصلية في ظل تبعات التردد في اتخاذ القرار، فعندما تأخرت الادارة في ايجاد العلاج وضجت نفوس الجماهير باليأس واصابتها القشعريرة من البرودة المكتنزة في جدران القلعة الخضراء جراء عتمة الاخفاقات عانى الأخضر من أجل البقاء في الدوري الممتاز وحضر محترفون أضروا المسيرة ولم يشفعوا للساعين فيها كما حصل مع السلوفاكي بيرنز والتونسي المرزوقي والبحريني المشخص.
يومها لم يعرف احد أين مكمن العلل وبواعثها هل هو الجهاز الفني أم الاداري أم اللاعبون حتى جاءت لحظة القرار الحاسم بإقالة نيناد كملاذ أخير بالنسبة للادارة.
ملامح المعضلة العرباوية
الا ان ذاك القرار لم يغير الأحوال وبدت الملامح الحقيقية لوجه المعضلة العرباوية في توليفة الفريق والعرض التكتيكي الذي أرقده في سرير العلاج العسير. ولذلك عانى المدرب محمد كرم بعد نيناد وعجزت يداه عن تغيير حالة المريض!!
ويمكن القول ان النقطة المفصلية في مرحلة استعادة العافية حدثت في وقت متأخر عندما اتخذت ادارة النادي إجراءين متلازمين الاول تمثل بالتعاقد مع المدرب البرتغالي راشاو الذي اعاد للأخضر بعضا من بريقه بعد ان ظن الجميع انه وهم حتى في صدور المتفائلين والثاني في استقلالية الجهاز الإداري وفصله عن سلطة القرار القيادي المباشر.
نعم تجاوز الأخضر ازمته في ظل هذين الإجراءين لكن من المشين ان يقع العرباوية في خطأ الاعتقاد وليس الظن بان المريض قد شفي تماما لأن تحقيق بطولة في فترة قصيرة ليس معياراً للحكم على نجاحة التطبيب وذلك ليس إلا اداراكا من قبل الواقعيين. فبطولة كأس ولي العهد عمرها التنافسي قصير وهي تتطلب تكتيكاً قصيراً وليست استراتيجية طويلة المدى كما يحصل في بطولات الدوري وبالمقابل لا يمكن الاعتداد بها كمقياس للتطور لكنها بالتأكيد مؤشر على استعادة العافية.
خطان متلازمان
لقد دفعت الاحداث باتجاه خطين متلازمين سار عليها الاخضر فبعد سقوط الفريق بالدوري خاصة تلك السقطة الشهيرة التي ارتكبتها الادارة في مباراة كاظمة عند اشراك أكثر من العدد المسموع به للمحترفين وغير الكويتيين وكلفت الفريق 3 نقاط مهمة استشعر على اثرها الاخضر مدى الخطر المحدق وغيرت ادارة النادي وتحديدا الرئيس جمال الكاظمي من نهج الادارة بمنح الجهاز الاداري للفريق صلاحيات وسمته بالاستقلالية في اتخاذ القرار واكتفى الكاظمي الذي لم يكن يملك الوقت الكافي للمتابعة الدائمة بالمراقبة.
الاستقلالية الادارية اثمرت عن خطوات ايجابية في طريقة التعامل مع المدرب وابعاده عن الضغوط التي تمارس عادة من المسؤولين بالأندية ولقد شاهدنا بام اعيننا الجهاز الاداري والمدرب المساعد مجتمعين مع المدرب اكثر من مرة خارج اطار النادي وفي اوقات ليست متصلة بالعمل. والواضح ان الجهاز الاداري استشعر ضيق الوقت الذي يحكم فترة عمل راشاو وسعى للتعويض باجتماعات مكثفة لتلقين المدرب بالمعلومات لتساعده في فهم حقيقة الوضع العرباوي ومن ثم الاستفادة منها في بلورة اسلوب عمل جديد.
ولاشك ان راشاو ادرك تلك الحقيقة عندما بدأ العمل لكن احتاج الى وقت لادراك التفاصيل الصغيرة واهمها ان اللاعبين الذين بدأ معهم لم يكونوا قادرين على الخروج من حالة اليأس التي تجذرت في صدورهم من الخسائر والنتائج السلبية ولذلك كان عليه استخدام المشرط وبدء علاج جديد على الصعيدين العناصري والتكتيكي.
لقد فهم راشاو أن هناك أخطاء تتمثل في التقاعد مع المحترفين ابراهيم المشخص والمرزوقي وان هناك عناصر في الفريق لم تعد قادرة على الانسجام في ظل الطفرة التي يشهدها فريق الشباب وتسللهم الى المقدمة في الفريق الأول وكان عليه ان يبدأ تكتيكاً جديداً ليس استراتيجياً لتوليف فريق جديد بروح جديدة وأسلوب أجدد وأينع يمهد لمستقبل أفضل، وكان الهدف الحصول على انتصار واحد يحرر أقدام لاعبيه من سلاسل الفشل ووهمه المرعب.
سياسة الاحلال والتبديل
سياسة الاحلال والتبديل بدأت متأخرة، لكنها حدثت وذلك الأهم بالتشكيلة العرباوية لم تعد تضم المشخص ولا المرزوقي ولا مالك القلاف ولا حمود ماجد ولا نواف شويع.. وشاهدنا أسماء جديدة جراح زهير، عبدالله الشمالي، علي مقصيد، حسين الموسوي، وأحمد مطر، حسين الفرس، أحمد عبد الغفور.. وتثبيتاً لاقدام لاعبين آخرين مثل أحمد خلف ومحمد جراغ وطلال حلفان وفراس الخطيب، لاحظوا هنا ان الفوارق السنية والفكرية بين هذين الجيلين متقاربة جداً تساهم في تناغم نفسي وفني وذهني تحتاج فقط الى اطار تكتيكي لا تخرج عن تلك العناصر للوصول الى الهدف.
وفي أول مرة شاهدنا تلك التوليفة استشعرنا تحولاً في الأداء العرباوي وأصبح هناك فريق شبه جديد ينمو ويترعرع في أجواء صحية ملائمة ولم يكن صعباً على المدرب راشاو أن يضع الاطار التكتيكي الملائم لتوجيه لاعبيه واستثمار قدراتهم وصهرها في بوتقة واحدة لاستحضار الروح العرباوية المفقودة والمتوارية خلف سياسات خاطئة في الماضي القريب.
يستحق راشاو التصفيق والاحترام لانه اختصر مسافة طويلة في خطوات معدودات هي خطوات تحاكي اهدافا قصيرة المدى لكنها بلا شك تستحق التقدير.
ان أهم ما ميز راشاو غير عملية الاحلال والتبديل انه وضع تكتيكا سهلاً غير معقد لفريقه الجديد 2/5/3 أو 3/4/3 وهو الأسلوب الاسهل، لكن ليس الأمثل لمن يدرك قيمة التكتيك، فالمعروف أن الأسلوب الأصعب هو الذي ينتهجه مدربون مثل محمد ابراهيم وجاريدو ورادان في 1/5/4 أو 2/4/4 أو 3/3/4 لكن مما لا شك فيه ان راشاو يخزن في رأسه افكاراً اخرى لتنفيذ استراتيجية طويلة الأمد تكتيكية وفنية عندما يغلق ملف هذا الموسم ويعلق اللاعبون احذيتهم انتظاراً للموسم الجديد.
الوطن 16/6/2007
|